احسن فيما هو آت = يفغر لك ما مضى


لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار وتقريــب الآجــــال، يُسار بنا إلى الموت في كل يومٍ وليلة .. وما هذه الأيــــام إلا مراحـــل، يحثُ بها داعٍ إلى الموت
فلتحذر المقام بين يدي الله تعالى !!

قال الفضيلُ بنُ عياض لرجلٍ: كم أتت عليك؟، قال: ستون سنة ..

قال: فأنت منذ ستين سنة تسيرُ إلى ربِّك يُوشِكُ أنْ تَبلُغَ، فقال الرجل: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ..

فقال الفضيلُ: أتعرف تفسيرَه؟، تقول: أنا لله عبد وإليه راجع، فمن عَلِمَ أنَّه لله عبد، وأنَّه إليه راجع،

فليعلم أنَّه موقوفٌ،ومن علم أنَّه موقوف، فليعلم أنَّه مسؤول، ومن عَلِمَ أنَّه مسؤولٌ، فليُعِدَّ للسؤال جواباً ..

فقال الرجل : فما الحيلةُ ؟، قال : يسيرة .. قال: ما هي ؟، قال : تُحسِنُ فيما بقي يُغفَرُ لك ما مضى فإنّك إنْ أسأتَ فيما بقي، أُخِذْتَ بما مضى وبما بقي. [حلية الأولياء (8:113)]

فالمبادرة المبادرة بالأعمال الصالحة، قبل أن يُحال بيننا وبينها بفتنٍ كقطع الليل المظلم أو مرض أو مــوت ..

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا" [رواه مسلم]

بادروا إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل .. المُشغلة للإنسان، المُلهيَّة بما فيها من الأهوال عن هذه الأعمال الصالحة ..

كان ابن عمر يقول "خُذْ من صحتك لسقمك ، ومن حياتك لموتك "

فإذا حيل بين الإنسان والعمل لم يبق إلا الحسرة والندم، ولا تنفع الأمانــي حينئذٍ!

اغتَنِمْ في الفراغ فَضْلَ رُكوعٍ .. فعسى أنْ يكونَ موتُك بَغتة

كم صَحيحٍ رأيتَ من غيرِ سُقم .. ذهَبتْ نفسُهُ الصحيحة فلتَة
اغتنموا مواسم الخيرات، قبل أن تطوى صحائف الأعمال

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]

وهذه المسابقة إلى مغفرة الله ورضوانه وجنته، تكون بالسعي في أسبابها من: التوبة والاستغفار والبُعد عن الذنوب والمسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح والحرص على مرضاته على الدوام ..

لله در أقوام بادروا الأوقات واستدركوا الهفوات

فالعين مشغولة بالدمع عن المحرمات .. واللسان محبوس في سجن الصمت عن الهلكات

والكفُّ قد كُفَّت عن الشهوات .. والقدم قد قيُّدَت بقيد المحاسبات

والليل لديهم يجأرون فيه بالأصوات .. فإذا جاء النهار قطعوه بمقاطعة اللذات

فكم من شهوةٍ ما بلغوها حتى الممات

0 التعليقات: